الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد بعث الله رسله مبشرين ومنذرين، وأيدهم بالمعجزات لتكون برهاناً على صدق ما أخبروا به عن الله عز وجل. وقد كانت المعجزات التي أعطيت الرسل كلها تنتهي بموت من ظهرت على يده من الرسل صلوات الله وسلامه عليهم، وكان لنبينا الحظ الوافر من هذا النوع، ثم خص بالمعجزة العظيمة الخالدة معجزة القرآن الكريم. ومن بين تلك المعجزات سماعه تسليم الحجر عليه، وحنين الجذع الذي كان يتوكأ عليه، وإشفاؤه للمرضى بإذن الله تعالى وغيرها.
وقد سجل القرآن منها معجزة الإسراء والمعراج سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى [الإسراء:1]، وكذلك معجزة انشقاق القمر -وهي ما سألتم عنها- حيث يقول الحق سبحانه:اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ [القمر:1]، وذكر المفسرون أن سببها طلب المشركين منه صلى الله عليه وسلم معجزة جلية تدل على صدقه، وخصصوا بالذكر أن يشق لهم القمر، ووعدوه بالإيمان إن فعل، وكانت ليلة بدر أي الليلة الرابعة عشر وهي التي يكون القمر فيها على أتم صورة وأوضحها، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ربه أن يعطيه ما طلبوا، فانشق القمر نصفين: نصف على جبل الصفا، ونصف على جبل قيقعان المقابل له.
وثبت في صحيح البخاري من حديث أنس بن مالك أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية فأراهم القمر شقين حتى رأوا حراء بينهما.
وبعد حصول هذه الآية العظيمة فإن قريشا لم يصدقوا بها وإنما اعتبروها سحرا، وهذه سنة المعرضين عن دين الله عندما يهدم الحق سلطانهم ويطمس نوره ضلالهم، عندئذٍ لا يتورعون عن محاولة الكيد له والوقوف في وجهه: إما بتشويه المبادئ، وإما بقلب الحقائق. وذلك ظنا منهم أن هذا كفيل بالقضاء عليه، ولكن هيهات يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [التوبة:32].
والله أعلم.